فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان من المعلوم أنه لا عيشة لخائف، فكان أهم ما إلى الإنسان الأمان، قدم له التأمين بأن {قال} أي شعيب له عليهما الصلاة والسلام: {لا تخف} أي فإن فرعون لا سلطان له على ما ههنا، ولأن عادة الله تعالى جرت أن تواضعك هذا ما كان في أحد إلا قضى الله برفعته، ولذلك كانت النتيجة: {نجوت} أي يا موسى {من القوم الظالمين} أي هو وغيره وإن كانوا في غاية القوة والعراقة في الظلم.
ولما اقتضى هذا القول أنه آواه إليه، علمت انتباه مضمونه، وكانتا قد رأتا من كفايته وديانته ما يرغب في عشرته، فتشوفت النفس إلى حالهما حينئذ، فقال مستأنفًا لذلك: {قالت إحداهما} أي المرأتين.
قيل: وهي التي دعته إلى أبيها مشيرة بالنداء بأداة البعد إلى استصغارها لنفسها وجلالة أبيها: {يا أبت استأجره} ليكفينا ما يهمنا؛ ثم عللت قولها فقالت مؤكدة إظهارًا لرغبتها في الخير واغتباطها به: {إن خير من استأجرت} لشيء من الأشياء {القوي} وهو هذا لما رأيناه من قوته في السقي {الأمين} لما تفرسنا فيه من حيائه، وعفته في نظره ومقاله وفعاله، وسائر أحواله؛ قال أبو حيان: وقولها قول حكيم جامع، لأنه إذا اجتمعت الأمانة والكفاية في القائم بأمر فقد تم المقصود.
{قال} أي شعيب عليه الصلاة والسلام، وهو في التوراة يسمى: رعوئيل- بفتح الراء وضم العين المهملة وإسكان الواو ثم همزة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة ولام، ويثرو- بفتح التحتانية وإسكان المثلثة وضم الراء المهملة وإسكان الواو {إني أريد} يا موسى، والتأكيد لأجل أن الغريب قل ما يرغب فيه أول ما يقدم لاسيما من الرؤساء أتم الرغبة {أن أنكحك} أي أزوجك زواجًا، تكون وصلته كوصلة أحد الحنكين بالآخر {إحدى ابنتي}.
ولما كان يجوز أن يكون المنكح منهما غير المسقي لهما، نفى ذلك بقوله: {هاتين} أي الحاضرتين اللتين سقيت لهما، ليتأملهما فينظر من يقع اختياره عليها منهما ليعقد له عليها {على أن تأجرني} أي تجعل نفسك أجيرًا عندي أو تجعل أجري على ذلك وثوابي {ثماني حجج} جمع حجة- بالكسر، أي سنين، أي العمل فيها بأن تكون أجيرًا لي أستعملك فيما ينوبني من رعية الغنم وغيرها، وآجره- بالمد والقصر، من الأجر والإيجار، وكذلك أجر الأجير والمملوك وآجره: أعطاهما أجرهما {فإن أتممت} أي الثماني ببلوغ العقد بأن تجعلها {عشرًا} أي عشر سنين {فمن} أي فذلك فضل من {عندك} غير واجب عليك، وكان تعيين الثماني لأنها- إذا أسقطت منها مدة الحمل- أقل سن يميز فيه الولد غالبًا، والعشر أقل ما يمكن فيه البلوغ، لينظر سبطه إن قدر فيتوسم فيه بما يرى من قوله وفعله، والتعبير بما هو من الحج الذي هو القصد تفاؤلًا بأنها تكون من طيبها بمتابعة أمر الله وسعة رزقه وإفاضة نعمه ودفع نقمه أهلًا لأن تقصد أو يكون فيها الحج في كل واحدة منها إلى بيت الله الحرام.
ولما ذكر له هذا، أراد أن يعلمه أن الأمر بعد الشرط بينهما على المسامحة فقال: {وما أريد أن أشق عليك} أي أدخل عليك مشقة في شيء من ذلك ولا غيره لازم أو غير لازم؛ ثم أكد معنى المساهلة بتأكيد وعد الملاءمة فقال: {ستجدني} ثم استثنى على قاعدة أولياء الله وأنبيائه في المراقبة على سبيل التنزل فقال: {إن شاء الله} أي الذي له جميع الأمر {من الصالحين} أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت وكل ما تريد من خير {قال} أي موسى عليه السلام {ذلك} أي الذي ذكرت من الخيار وغيره {بيني وبينك} أي كائن بيننا على حكم النصفة والعدل والسواء على ما ألزمتني به لازمًا، وما أشرت إلى التفضل به إحسانًا، وعليك ما ألزمت به نفسك فرضًا وفضلًا؛ ثم بين وفسر ذلك بقوله: {أيما الأجلين} أي أيّ أجل منهما: الثماني أو العشر {قضيت} أي عملت العمل المشروط علي فيه خرجت به من العهدة {فلا عدوان} أي اعتداء بسبب ذلك لك ولا لأحد {علي} أي في طلب أكثر منه لأنه كما لا تجب على الزيادة على العشر لا تجب عليّ الزيادة على الثمان، وكأنه أشار بنفي صيغة المبالغة إلى أنه لا يؤاخذ لسعة صدره وطهارة أخلاقه بمطلق العدو {والله} أي الملك الأعظم {على ما نقول} أي كله في هذا الوقت وغيره {وكيل} أي شاهد وحفيظ قاهر عليه وملزم به في الدنيا والآخرة، فما الظن بما وقع بيننا من العهد من النكاح والأجر والأجل. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ربي أن} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو. و{يصدر} بفتح الياء وضم الدال: ابن عامر ويزيد وأبو عمرو وأبو أيوب. الآخرون بضم الياء وكسر الدال {إني أريد} {ستجدني} بفتح ياء المتكلم فيهما: أبو جعفر ونافع {إني آنست} {إني أنا الله} و{إني أخاف} بفتح ياء المتكلم في الكل: ابو جعفر ونافع وأبو عمرو و{لعلي آتيكم} بفتح الياء: هم وابن عامر {جذوة} بفتح الجيم: عاصم وبضمها حمزة وخلف. الباقون بكسرها. {من الرهب} بفتح الراء وسكون الهاء: حفص، وبفتحهما أبو عمرو وسهل ويعقوب وابو جعفر ونافع وابن كثير. الآخرون بضم الراء وسكون الهاء {فذاناك} بتشديد النون: ابن كثير ويعقوب وأبو عمرو {معي} بالفتح: حفص {ردا} بغير همز: أبو جعفر ونافع وابن كثير. الآخرون بضم الراء وهمزة في الوقف {يصدقني} بالرفع: حمزة وعاصم {يكذبون} بالياء في الحالين: يعقوب وافق ورش وسهل وعباس في الوصل {قال موسى} بغير واو: ابن كثير {ربي أعلم} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو. و{من يكون} على التذكير: حمزة وعلي وخلف والمفضل {لا يرجعون} بفتح الياء وكسر الجيم: نافع ويعقوب وعلي وخلف.

.الوقوف:

{السبيل} o {يسقون} o لأنه رأس آية عند الأكثرين مع عطف المتفقتين {تذودان} ج لعدم العاطف وطول الكلام مع اتحاد الفاعل {خطبكما} ط {الرعاء} ز لأن ما بعده منقطع لفظًا ومعنى كأنه قال: فلم خرجتما فقالتا تعريضًا بالاستقامة وأبونا شيخ {كبير} ط {فقير} o {على استحياء} ز لعدم العاطف مع اتحاد القائل، ومن وقف على {تمشي} ويجعل على استحياء حالًا مقدمًا أي قالت مستحيية فلا وجه له في الوقف {لنا} ط لأن جواب {لما} منتظر وقبله حذف أي فذهب معها فلما جاءه فكأن الفاء لاستئناف القصص لأن قال جواب {لما}. {لا تخف} ز لأن قوله: {نجوت} غير متصل به نظمًا وليفصل بين البشارتين أي لا تخف ضيمًا وقد نجوت من ظلم فرعون {الظالمين} o {استأجره} ج للابتداء بأن مع اتحاد القول واحتمال التعليل {الأمين} o {حجج} ج للشرط مع الفاء {عندك} ج لابتداء النفي مع الواو {عليك} ج {الصالحين} o {وبينك} ج لابتداء الشرط {عليّ} ط {وكيل} o {نارًا} o لعدم العاطف وطول الكلام مع اتحاد القائل {تصطلون} o {العالمين} o لا {عصاك} ط لحق الحذف أي فألقاها فحييت فلما رآها {ولم يعقب} ط {لا تخف} ج لمثل ما مر أي لا تخف باس العصا إنك أمنت بها بأس فرعون {الآمنين} o {سوء} ز لعطف الجملتين المتفقتين مع طول الكلام o {وملئه} ط {فاسقين} o {يقتلون} o {يصدقني} ز للابتداء بأن مع اتحاد القول واحتمال التعليل {يكذبون} o {بآياتنا} ج أي لا يصلون إليكما بسبب آياتنا وعلى {إليكما} أوجه أي أنتم الغالبون بآياتنا {الغالبون} o {الأولين} o {الدار} ط {الظالمون} o {غيري} ج لتنويع الكلام {إلى إله موسى} لا لأن ما بعده مقوله ايضًا {الكاذبين} o لا {يرجعون} o {في اليم} ج للابتداء بأمر الاعتبار واختلاف الجملتين مع فاء التعقيب {الظالمين} o {إلى النار} ج لعطف الجملتين المختلفتين {لا ينصرون} o {لعنة} ط لمثل ذلك {المقبوحين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى استحياء}.
فقوله: {عَلَى استحياء} في موضع الحال أي مستحيية، قال عمر بن الخطاب قد استترت بكم قميصها، وقيل ماشية على بعد مائلة عن الرجال وقال عبد العزيز بن أبي حازم على إجلال له ومنهم من يقف على قوله: {تَمْشِى} ثم يبتدىء فيقول: {عَلَى استحياء} قالت: {إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ} يعني أنها على الاستحياء قالت هذا القول لأن الكريم إذا دعا غيره إلى الضيافة يستحيي، لاسيما المرأة وفي ذلك دلالة على أن شعيبًا لم يكن له معين سواهما وروي أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس، قال لهما ما أعجلكما قالتا وجدنا رجلًا صالحًا رحمنا فسقى لنا، فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي، أما الاختلاف في أن ذلك الشيخ كان شعيبًا عليه السلام أو غيره فقد تقدم، والأكثرون على أنه شعيب.
وقال محمد بن إسحاق في البنتين اسم الكبرى صفورا، والصغرى ليا، وقال غيره صفرا وصفيرا، وقال الضحاك صافورا والتي جاءت إلى موسى عليه السلام هي الكبرى على قول الأكثرين، وقال الكلبي الصغرى، وليس في القرآن دلالة على شيء من هذه التفاصيل.
أما قوله: {قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} ففيه إشكالات: أحدها: كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يعمل بقول امرأة وأن يمشي معها وهي أجنبية، فإن ذلك يورث التهمة العظيمة، وقال عليه السلام: «اتقوا مواضع التهم»؟ وثانيها: أنه سقى أغنامهما تقربًا إلى الله تعالى فكيف يليق به أخذ الأجرة عليه فإن ذلك غير جائز في المروءة، ولا في الشريعة؟ وثالثها: أنه عرف فقرهن وفقر أبيهن وعجزهم وأنه عليه السلام كان في نهاية القوة بحيث كان يمكنه الكسب الكثير بأقل سعي، فكيف يليق بمروءة مثله طلب الأجرة على ذلك القدر من السقي من الشيخ الفقير والمرأة الفقيرة؟ ورابعها: كيف يليق بشعيب النبي عليه السلام أن يبعث ابنته الشابة إلى رجل شاب قبل العلم بكون ذلك الرجل عفيفًا أو فاسقًا؟ والجواب: عن الأول أن نقول: أما العمل بقول امرأة فكما نعمل بقول الواحد حرًا كان أو عبدًا ذكرًا كان أو أنثى في الأخبار وما كانت إلا مخبرة عن أبيها، وأما المشي مع المرأة فلا بأس به مع الاحتياط والتورع والجواب: عن الثاني، أن المرأة وإن قالت ذلك فلعل موسى عليه السلام ما ذهب إليهم طلبًا للأجرة بل للتبرك برؤية ذلك الشيخ، وروي أنها لما قالت ليجزيك كره ذلك، ولما قدم إليه الطعام امتنع، وقال إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بدنيانا، ولا نأخذ على المعروف ثمنًا، حتى قال شعيب عليه السلام هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا، وأيضًا فليس بمنكر أن الجوع قد بلغ إلى حيث ما كان يطيق تحمله فقبل ذلك على سبيل الاضطرار وهذا هو الجواب: عن الثالث فإن الضرورات تبيح المحظورات والجواب: عن الرابع لعله عليه السلام كان قد علم بالوحي طهارتها وبراءتها فكان يعتمد عليها.
أما قوله: {فَلَمَّا جَاءهُ} قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقام يمشي والجارية أمامه فهبت الريح فكشفت عنها فقال موسى عليه السلام إني من عنصر إبراهيم عليه السلام فكوني من خلفي حتى لا ترفع الريح ثيابك فأرى ما لا يحل لي، فلما دخل على شعيب فإذا الطعام موضوع، فقال شعيب تناول يا فتى، فقال موسى عليه السلام أعوذ بالله قال شعيب ولم؟ قال لأنا من أهل بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبًا، فقال شعيب ولكن عادتي وعادة آبائي إطعام الضيف فجلس موسى عليه السلام فأكل، وإنما كره أكل الطعام خشية أن يكون ذلك أجرة له على عمله، ولم يكره ذلك مع الخضر حين قال: {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}.
[الكهف: 77] والفرق أن أخذ الأجر على الصدقة لا يجوز، أما الاستئجار ابتداء فغير مكروه.
أما قوله: {وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص} فالقصص مصدر كالعلل سمي به المقصوص، قال الضحاك لما دخل عليه قال له من أنت يا عبد الله، فقال أنا موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وذكر له جميع أمره من لدن ولادته وأمر القوابل والمراضع والقذف في اليم، وقتل القبطي وأنهم يطلبونه ليقتلوه، فقال شعيب: {لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين} أي لا سلطان له بأرضنا فلسنا في مملكته وليس في الآية دلالة على أنه قال ذلك عن الوحي أو على ما تقتضيه العادة.
فإن قيل: المفسرون قالوا إن فرعون يوم ركب خلف موسى عليه السلام ركب في ألف ألف وستمائة ألف، فالملك الذي هذا شأنه كيف يعقل أن لا يكون في ملكه قرية على بعد ثمانية أيام من دار مملكته؟ قلنا هذا وإن كان نادرًا إلا أنه ليس بمحال.